25 أغسطس 2010

ميراث المرأة في الإسلام



ميراث المرأة في الإسلام

سأل أحد الطلاب المبتعثين في الولايات المتحدة الأمريكية عن إشكالات تعرض عليه بشأن ميراث المرأة في الإسلام؛ فكتبت له الرسالة التالية:



 إن النظم الإنسانية قديمها وحديثها هي اجتهادات البشرية للوصول إلى العدالة وكرامة الإنسان، وكم أثبتت كثير من هذه التجارب فشلها على مر العصور، فكان نزول الديانات السماوية هداية للبشرية في التوصل للنظام الإنساني الأمثل والذي يكفل لها العدالة والكرامة؛ فأهل الديانات السماوية يعتقدون أن خالق البشر والرب في علاه أعلم وأعدل وأحكم، وأنه هو، سبحانه، الرؤوف بخلقه أبان لهم المبادئ العليا والحق الأكيد لكيلا تكون الإنسانية حقل اختبار تهان فيها كرامتها بنظام بشري ينقضه آخر بعد فترة إن نُقِض! وجاء الإسلام ناسخا لما قبله من الأديان ومؤكدا على سمو القيم الربانية وتحقيق العدالة السماوية في الإرض. ففي حين لم تمتلك المرأة ذمة مالية مستقلة في الغرب إلا منذ أقل من مائة وخمسين سنة، بحجة أن هذه هي العدالة في ذلك الزمان!، كان الإسلام منذ ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة قد أقر هذا الحق لها بأمر من الله العادل والعالم بما يصلح به حال البشرية مطلقا؛ فنحن المسلمون علمنا أن هذا هو الحق بتوجيه الله لنا وللبشرية في حين أن من نأى عن الإسلام خاض مرارة الظلم ليتوصل لهذه الحقيقة ليلة البارحة!!

   أما في مسألة الميراث تحديدا؛ فقاعدة (للذكر مثل حظ الإنثيين) هي في إحدى حالات توزيع الإرث وليس في إطلاقه. ولا شك أن حق الأبناء في مال أبيهم ليس حقا أصيلا، إنما هو حق مكتسب لكي تنتقل الأموال وتستمر العملية الإقتصادية بعد موت صاحب الحق الأصيل؛ فالأصل في الأبناء الذكور أن يعملوا ويكتسبوا أموالهم بأنفسهم، بينما يحق للمرأة، في الإسلام، أن تعمل أو أن تطالب وليها بالإنفاق عليها وتلزمه بذلك قانونيا؛ فتمام العدل أن يرث الإبن الملزم بالإنفاق على المرأة ضعف ما تأخذه شقيقته الملزم وليها بالإنفاق عليها.

   ومن أجمل ما وجدت جوابا على هذه المسألة بحث للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، يقول فيه:
(يجعل هؤلاء الجهال من قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ‏}‏ ‏‏[النساء‏:‏4‏/‏11‏] قاعدة مطردة نافذة في حال كل رجل وامرأة يلتقيان على قسمة ميراث‏.‏‏.‏ بل ربما جعلوا من هذا الجزء من آية في كتاب الله تعالى‏،‏ ساحة تفكّه وتندّر‏،‏ فيما تقرره الشريعة الإسلامية طبق وهمهم‏،‏ من أن الرجل يفوز دائماً بضعف ما تفوز به المرأة من حقوق‏.‏
إن الآية تبدأ بقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ‏}‏ [‏النساء‏:‏4‏/‏11‏] إذن فبيان الله تعالى يقرر هذا الحكم في حق الولدين أو الأولاد‏.‏
أما الورثة الآخرون‏،‏ ذكوراً وإناثاً‏،‏ فلهم أحكامهم الواضحة الخاصة بكل منهم‏،‏ ونصيب الذكور والإناث واحد في أكثر الحالات‏،‏ وربما زاد نصيب الأنثى على نصيب الذكر في بعض الأحيان‏،‏ وإليكم طائفة من الأمثلة‏:‏
إذا ترك الميت أولاداً وأباً وأماً‏،‏ ورث كل من أبويه سدس التركة‏،‏ دون تفريق بين ذكورة الأب وأنوثة الأم‏،‏ وذلك عملاً بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُما السُّدُسُ‏}‏ [النساء‏:‏4‏/‏11]‏‏
إذا ترك الميت أخاً لأمه أو أختاً لأمه‏،‏ ولم يكن ثمة من يحجبهما من الميراث‏،‏ فإن كلاً من الأخ والأخت يرث السدس‏،‏ دون أي فرق بين ذكر وأنثى‏،‏ عملاً بقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُما السُّدُسُ‏}‏‏‏ ‏[النساء‏:‏4‏/‏12]‏
إذا ترك الميت عدداً من الإخوة للأم‏،‏ اثنين فصاعداً‏،‏ وعدداً من الأخوات للأم‏،‏ إثنتين فصاعداً‏،‏ فإن الإخوة يرثون الثلث مشاركة‏،‏ والأخوات يرثن الثلث مشاركة‏،‏ دون تفريق بين الإناث والذكور‏،‏ لصريح قول الله تعالى‏:‏‏{‏فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ‏}‏‏ ‏[النساء‏:‏4‏/‏12]‏
إذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها‏،‏ فإن ابنتها ترث النصف‏،‏ ويرث والدها الذي هو زوج المتوفاة‏،‏ الربع‏،‏ أي إن الأنثى ترث هنا ضعف ما يرثه الذكر‏.‏
إذا ترك الميت زوجة وابنتين وأخاً له‏،‏ فإن الزوجة ترث ثمن المال‏،‏ وترث الابنتان الثلثين‏،‏ وما بقي فهو لعمهما وهو شقيق الميت‏،‏ وبذلك ترث كل من البنتين أكثر من عمهما‏،‏ وذلك هو قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم طبقاً لحكم الله عز وجل في آية الميراث‏.) انتهى

   وأقول: أنه يحق لك أن تعجب من صاحبك الذي تقر مبادئ مجتمعه حق أن يحرم الشخص وهو على فراش موته جميع ورثته أو بعضهم من الورث ويهبه لكلب أو قطة! فأي حالتي الميراث أعدل: أن تحتفظ المرأة بحقها في الميراث مع وجود من ينفق عليها؟ أم أن يحق للميت أن يحرم من يشاء من الميراث بلا مسائلة أو سبب؟!! وأنا أوردت هذه المثال للإشارة إلى أن نظام الإرث المعمول به في الغرب ليس نظاما عادلا حتى يتم تقييم نظام الإرث في الإسلام مقارنة به، بل يقيننا أن نظام الإرث الإسلامي هو خلاصة العدل في هذا الموضوع الذي دلنا عليه خالق البشر.