7 فبراير 2012

إلى أخي حمزة، جوابا عن بيانك..



إلى أخي حمزة، جوابا عن بيانك..



أخـي المـكـرم/   حــمــزة كــاشـغـري        ،،   سـلـمـه الله


     السلام عليكم ورحمة لله وبركاته، وبعد:
     فأكتب إليك بحبر المحبة، وعبراتي تزاحم عباراتي، على ورق الصدق.. لعلك مثلي تعرف معنى (الحب والصدق) وتشعر بغربتهما في هذا الزمان! آهٍ لهذه الكرة الأرضية المكتظة بالناس وتشكو ازدحام السكان، كيف كان لها أن تضيق عن (الحب والصدق) ولا تكشف لهما عن أرض بكر ليعيشا عليها بسلام؛ فارتحلا من الواقع ليسكنى وجدان الخيال ويختبئا في ضمير الغرباء من البشر! قد يقرأ خطابي هذا إليك سوانا.. لكن لن يفهمها إلا غريب قادر على أن يقرأ حبر (الحب) الخفي على ورق (الصدق) السحري..

     أخـي حــمــزة..
     قرأتك بيانك الذي أردت أن تضيء به الظلام الذي أحاطك مؤخرا.. أرأيت كم هو حزين هذا العالم الذي نحن فيه؟! ضاق عن (الحب والصدق) ليتسع لـ(ظلام) مخيف يسكن بيننا ويعزل من نحب بعيدا عنّا.. كما عزلك (أنت)..! آهٍ كما اشتقت إليك مع أني لم ألقك من قبل.. سمعت عنك.. أُخبِرتُ بك.. لعلي معرفتي بك كانت متأخرة.. إلا أنها امتدت لتصلك في الماضي.. ربما في مركز الإمام الغزنوي الصيفي.. أو في حلقة التحفيظ بالمسجد الذي عَرفتَهُ وعرفك..! لكنّك لم تصل إلى موعدنا في الحاضر.. وهاأنت تعترف لي في بيانك الأخير أنك أُيعِدتَ عن (الصراط المستقيم) وسلكت صراطا آخر موحش.. يا إلهي كم يجتاحني الرعب أن أضل عن هذا (الصراط المستقيم) فلا أصل إلى حيث يجتمع (الأحبة) في المستقبل.. ولا يجدني (المحبون) عليه في الحاضر.. فأتوسل إلى ربي منكسرا علّه يجيب صلاتي ويهديني (الصراط المستقيم).. أتشعر مثلي بهذا الانكسار والغربة إذا وقفت أمام الرب جل في علاه وأنت تجل الثناء عليه وترجوه.. (اهدنا الصراط المستقيم).. (اهدنا الصراط المسقيم)..

     أخـي حــمــزة..
     بشراك.. بشراك.. هاأنت اليوم أقرب ما تكون من الإجابة.. أن يعرف الإنسان ويعترف أنه حاد عن (الصراط المستقيم) هي أولى خطواته على هذا الصراط.. سر عليه وتمسك به.. اعرفه جيدا ولا تحد عنه.. ارفع رايته واعرف من فيه.. حتى إذا فقدت أحدا من سالكيه ناده بأعلى صوتك (اركب معنا).. فمن علامات السائرين على هذا الصراط: الحب.. الحب يسكن ضمائرهم.. ويكسو جوانحهم.. حتى فاض عنهم وأصبحوا هم من يسكن في الحب.. حبهم للرب في علاه.. آهٍ ما أروع هذا الحب وأقدسه.. حبهم للجناب الشريف صلوات ربي وسلامه عليه.. آهٍ ما أطهر هذا الحب وأعمقه.. حبهم الممتد من خلق آدم في بداية البشرية.. إلى موت المسيح في نهاية العالم.. مرحبا بك أخي في عالم الحب.. فالله وضع هذا الصراط لمن (يحبهم ويحبونه)..

     أخـي حــمــزة..
     أبكاني والله ما ند عنك من المساس بالجناب الشريف صلوات ربي وسلامه عليه.. ألا ليت الله افتدى عرض خليله بي ولا ينال مقامه الطاهر، فداه أبي وأمي، أذى القول.. ألا ليتني ما طال بي العمر وأنه سبق أجلي على خير قبل أن أكتب لمن أحب من (المسلمين) حزنا لما صدر منه تجاه مصطفى الله وحبيبه.. أما سمعت عن الصحابية من بني دينار لما عاد المسلمون من أحد ونعوا إليها أبوها.. وأخوها.. وزوجها.. فأخذت تسأل مفجوعة: وما فعل رسول الله؟ وما فعل رسول الله؟ .. فقالوا لها: خيرا يا أم فلان، هو بحمدالله كما تحبين.. فقالت لهم: أرونـــيـــه حتى أنـــظــر إليه.. فأشاروا إليه لترى أنه، صلوات ربي وسلامه عليه، سالم حتى وإن مات أبوها وأخوها وزوجها.. فلما رأته سالما قالت: كــل مــصــيــبــة بـــعـــدك جلل.. نعم، فوالله لأن يفنى المسلمون خيرٌ من أن يُخلَصَ إلى رسول الله وفينا عرق ينبض ولا عين تطرف.. قد كان ما كان.. وهاأنت اليوم تعلن توبتك وتستغفر من ذنبك العظيم.. فابكي ثم ابكي.. وعد وابكي.. حتى تنتهي دموعك علّ الله يقبل توبتك ويمحو زلتك.. فذاك الصحابي ثابت بن قيس أخذ يبكي لما نزل قول الله ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) خوفاً أن يكون قد رفع صوته فوق صوت الجناب الشريف، صلوات ربي وسلامه عليه، لأنه كان رجل صيّت.. فغشاه البكاء حتى أمر أهله بحبسه في غرفة حتى يتوفاه الموت أو يرضى عنه الرسول.. وما خرج من غرفته تلك حتى جاءه الرسول وأخرجه من حبسه وبكائه.. فكم ستبكي أخي حمزة؟.. ومن تراه مخرجك من بكاك وقد أفضى رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه إلى الرفيق الأعلي..؟!

     أخـي حــمــزة..
     قد أراه بلغك ما قاله السادة العلماء والأئمة الفقهاء في حكم من تعرض بالأذى للجناب الطاهر، صلوات ربي وسلامه عليه.. وأنا أحسن بك الظن كما أمرنا حبيبنا رسول الله.. ولا أخوض في النوايا.. لكن، إن كانت توبتك صادقة فلا تخشى القضاء الشرعي.. ولا ترضى أن يدافع عنك من صاحبك في زمان الظلام وبعدك عن النور.. فأهل الصراط المستقيم يستجيبون لندائه وأمره (قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم).. أما أهل الظلام فيغشون أنفسهم ومن كان معهم و(يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون).. وتمام الإيمان هو بالرضى بحكم الله وشرعه.. (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).. وأحسن الظن بالله أخي حمزة.. فما كان الله ليظلم عباده ويضيع من لجأ إليه ويرد من صدق في توبته.. وأنا هنا لا أتحدث باسم القضاء ولا أدري بماذا سيحكم.. لكن ما أشد ما قد يكون منه؟ الحد الشرعي؟.. ثم ماذا؟.. أما تعرف أن الحد لمن تاب من المعصية هو بمثابة الكفارة له من فعله؟.. من أجل ذلك ذهب الصحابي ماعز بن مالك والصحابية الغامدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقيم عليهما الحد فتكون كفارة لهما ويسجلا اسميهما في ديوان المغفور لهم بشهادة المصطفى.. وأنت تعلم أخي حمزة أنه سبق للناصحين أن حاولوا معك فأبيت واتبعت خطوات الشيطان حتى أوقعك أمام مئات الآلاف من الناس في الجناب الشريف صلوات ربي وسلامه عليه.. ففوض أمرك إلى الله.. وأعلن أنك راض بحكمه.. وسلم نفسك للقضاء الشرعي وأنت تردد (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب).. ولا تقبل أن يغشك أحد فيحول بينك وبين القضاء الشرعي، وقل له كيف أكون صادقا في توبتي وأنا أرضى بأن أهرب من حكم الله؟! .. واجعل حكم الله في رقبة القاضي الشرعي وذمته؛ فإن حكم لك بالسلامة فقد صَدقتَ الله وبقي عليك الإكثار من الاستغفار والعمل الصالح (إن الحسنات يذهبن السيئات)..

ولك من أخيك المحب كل الصدق..

فيصل بن فالح الميموني