14 يوليو 2010

عداوات بلا فائدة.. خالص جلبي مثالا

عداوات بلا فائدة.. خالص جلبي مثالا


يقول إيليا أبو ماضي: 
شكرا لأعدائي فلولا عيثهم *** لم أدر أنهمُ من الغوغاء 
ولا شك أن هذا ليس على إطلاقه، فبعض العداوة حق وواجب، وبعض الأعداء هم من خيرة المفكرين وأصحاب العلم، لكن الإشكال لمَا تكون المعاداة هي التخصص الدقيق لكثير من الكتاب، فلا مشروع نهضوي يقوم عليه! ولا مجال علمي يبدع فيه!! ولا عبادة صالحة يداوم عليها!!! لذا ترى أهل هذا التخصص غالبا من الغوغاء؛ فحتى لغتهم ضعيفة، وتراكيبهم ركيكة بلهٍ عن ضعف بنيونية الكتابة من الناحية العلمية. 

كم آسف على جهود ضاعت في عداوات لا تستحق هذا الكم: إما لضحالة الفكرة محل النقد أو للجهالة المحيطة بها؛ فتأتي هذه الجهود الضائعة لتبرزها أو صاحبها! فتخيلوا مدرسا مغمورا يعبث ببلاهة مختلفا مع بعض الأحكام الشرعية، تقام ضده دعوى احتساب أمام القضاء، تكون نتيجتها أن يستتكب في الصحافة ويستضاف إعلاميا على المستوى العربي! أرجو أن لا تكون حقيقة هذا النوع من العداوات مجرد شعور طفولي بإمساك حشرة في البرية، والتي غالبا ما تنجو من قبضة الطفل بعد أن يشمئز الكبار من فعله! 

لا أظن أن سلمان رشدي يملك من مقومات النجاح والشهرة ما يستحق أن يذكر، إلا أن الخميني أهداه الظهور وأبرزه على ظهر فتوى تهدر دمه! والإشكال الأصل في هذا هو ضعف التكوين العلمي مصاحبا برقة الديانة في أحوال؛ فالديانة الحقة تورث صاحبها تورعا وقلقا من مجانبة الصواب أو الوقوع في أعراض الناس، كما أنها تحمل الكلام على أحسن الأوجه وتقضي بسلامة النيات. 
أما التكوين العلمي الصحيح، فيمنع صاحبه من اجتثاث الكلام من سياقه، ويفرض في تقييم الفكرة المطروحة تناولها بشكل متكامل، ويفترض استخدام نفس الأدوات العلمية للنقد؛ فعلماء التفسير، على سبيل المثال، لم يستخدموا أدوات دراسة الأسانيد الحديثية ليطبقوها في مناهج التفسير وكتبه. 

وأهم فوائد التكوين العلمي الصحيح هي معرفة دقيق المصالح والمفاسد، ومن ذلك قول ابن تيمية، رحمه الله: (كما يقال ليس العاقل الذي يعلم خير من الشر إنما العقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين)، وقوله: (والشارع دائمًا يرجح خير الخيرين بتفويت أدناهما، ويدفع شر الشرين بالتزام أدناهما)، وهذا مشهور عند ابن تيمية حتى تلازمت هذه القاعدة الذهبية مع فكره. 
وقد يقول قائل: ما أدراني بأن "احتسابي" على هذا الشر سينجم عنه شر أعظم، في حين أن الواجب علي الآن هو أن أنكر الشر الحالي؟ فأقول: يا رحمك الله الزم السلامة، فإن لم تملك بعد القدرة العلمية والعقلية على تفعيل هذه القاعدة واستشراف مآلات الأمور، فأنت معذور عند الله، ويجب عليك أن تنكر هذا المنكر في قلبك، هذا في حال كون المنكر متفقا عليه، فما بالك في كون هذا المنكر محل النقد يحتمل وجه من الصواب!

كم ندمت على وقت أضعته في الإطلاع على بعض المؤلفات بسبب عداوات شنت عليها، فإذا هي لا تساوي ثمن الحبر والورق الذي طبعت به وعليه، حتى تبنيت منهجا بأن لا أطلع على مؤلف بسبب فتوى أطلقت ضده أو مقالا انتقده؛ فالمفتون كثر والمنتقدون أكثر، وإنا لله وإنا إليه راجعون. 

والواقع العربي والإسلامي اليوم يشكو ضعفا في بعض جوانبه، ولم يكن العمل السلبي ضد الآخرين في يوم سببا لنجاح الأفراد وتفوق الأمم؛ فأينع ثمرة لموجة الانتقادات ووضع الناس في الميزان، هي أن تحافظ على الوضع الحالي، والوضع الحالي يشكو ضعفا! فماذا جنينا؟! ومن ذلك أنك ترى القرآن يخط طريقة واضحة في الدعوة إلى العمل الإيجابي والبناء (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي). 

أكاد أجزم أن غالبية سكان المملكة العربية السعودية، بلهٍ عن بلده الأم سوريا أو العالم الإسلامي، لا يعرفون من هو خالص جلبي، ولا يقيمون لرأيه وزنا في تلقي أمور بالشريعة منه! فما الفائدة من عشرات الدراسات والردود والمقالات والفتاوى ضده؟! قد أتفهم استضافته في برنامج حواري من باب الإثارة الإعلامية ورفع نسبة المشاهدين، خاصة إذا كان الحوار كاشفا لضعف ما يتبناه. لكن الأسوأ من رأيه المطروح، أن يناصب العداء بلا فائدة ترجى سوى مكاسب إعلامية تحسب له! 

خلاصة موضوع الدكتور خالص جلبي هو أنه طبيب من مواليد محافظة الحسكة بسوريا عام 1945م، حصل على شهادة الطب ومن ثم الشريعة في دمشق 1974م، وأكمل دراسته في ألمانيا سنة 1982م في تخصص الجراحة، وانتهى به المطاف للعمل طبيبا في منطقة القصيم بالمملكة العربية السعودية. له مؤلفات فكرية عديدة ولا أعلم له مؤلفا علميا واحدا في تخصصه! بل حتى بحث التخرج من كلية الطب، كان من المضحك أن يقدم في كلية طبية بعنوان (الطب في محراب الإيمان): وهو مجرد جمع لمعلومات طبية وعلمية، كحال باقي مؤلفاته، وتزيين صفحاته بآيات من كتاب الله! 

فالحالة الفكرية والعلمية الضعيفتان في الزمان الذي نشأ فيه الدكتور جلبي، أورثته جزءا من الشعور بالنقص، لا أقول الذاتي بل على مستوى ثقافة الأمة، الذي ظل ملازما لأطروحاته؛ فتراه دائما مهووس بنظرة الآخرين إلينا، وماذا يقولون عنا، وما رأيهم فينا!! وكانت قفزته إلى الغرب صدمة حضارية، لا تختلف كثيرا عن صدمة عبدالله القصيمي، تراها حاضرة في مؤلفاته التي يستعرض فيها قراءاته ومعلوماته! 

لم يقدم الدكتور خالص جلبي منهجا فكريا يستفاد منه، ولا نظرية علمية تنسب إليه، ولا اكتشافا طبيا يشكر عليه! فماذا لو أخطأ في عشرات الجمل من بين آلاف المعلومات التي جمعها من باب الثقافة العامة؟! حسابه عند ربه، ولا يجب أن نهديه نجاحا لم يستطع هو أن يحققه لنفسه؛ فالدكتور جلبي لا يمكن تصنيفه على أنه مفكر فيلسوف ولا فقيه شعري ولا كاتب أديب، بل غاية ما يقال إنه أحد الأطباء الاعتياديين، ولديه وقت فراغ كثير يقضيه بعيدا عن تخصصه، فينقل معلومات قرأها تحت تأثير العقدة المذكورة آنفا. 

هل خالفت ما أدعو إليه في هذا المقال في نقد الدكتور خالص جلبي؟ قد يكون الجواب نعم، لكن أردت أن أضرب مثالا واقعا لعداوات بلا فائدة نعيشها؛ فلا الرجل معروف، ولا رأيه مؤثر، ولا فكرته ناضجة! بل حتى النخب القارئة، في المجتمع السعودي خصوصا والعربي عموما، لا تصنفه على أنه كاتب من الدرجة الأولى! 

ولنفترض أن شخصا ما رأى في نفسه الأهلية في تقدير خير الخيرين وشر الشرين، وأن من واجبه الإنكار العلني ضد فكرة أو صاحبها؛ فإن المدرسة الإسلامية تقتضي (إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه)، وإلا فإنه كما يقول الفيلسوف الألماني "نيتشه": (الذي لا يقتلك، يجعلك أقوى)!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق