22 مايو 2009

حماس بين الخفاش الأسود والواقع..!! "قراءة لقراءة"



(كتب هذا المقال في الربع الأخير من عام 2007)

في حديث لي مع أخ فاضل حول الأحداث الأخيرة في فلسطين والمعارك الدائرة بين حركتي فتح وحماس أحالني مشكورا لمقالة منشورة حول الموضوع في صحيفة سبق الإلكترونية للأستاذ/ حسن مفتي "الخفاش الأسود"، وأذكر أنه قد جمعني بالخفاش الأسود مجلس كريم قبل عدة سنوات بدا فيه هادئا حييا على غير بعض كتاباته!، والبارحة تسنى لي قراءة مقالة الأستاذ/ مفتي بعنوان (حماس لا يحبها إلا مؤمن ولا يبغضها إلا منافق)!! فتعجبت من العنوان ابتداءا، وكيف أنه جعل حماس فتنة لدين الناس ومفصلا بين الإيمان والنفاق! وقد يقول البعض أن هذا العنوان على افتراض أن حماس مقاومة إسلامية ولا يبغض المقاومة الإسلامية إلا منافق؛ وأقول نعم لا يبغض المقاومة الإسلامية إلا منافق، لكن حماس لا تمثل المقاومة الإسلامية بصفة رسمية وحصرية! بل هي قراءة سياسية وعسكرية ورؤية اجتهادية للمقاومة الإسلامية تمثلها حماس لا أكثر. وفي الساحة الفلسطينية، والإسلامية عموما، حركات إسلامية خرى تخالف حماس وتختلف معها، وبعضها تبغضها في الله ديانة! فهل نرميهم بالنفاق لأجل اجتهادهم وإن كنا نختلف معهم فيه وكان رأيهم مرجوحا بعيدا عن الصواب؟!

مقالة الأستاذ/ مفتي كانت مدحا لحماس، وهي أهل له، لكن من خلال كيل السب والشتم لحركة الفتح! وهذا المسلك قد أخذ في الإنتشار بين بعض كتاب التيار الإسلامي بشكل ملحوظ وللأسف؛ فأحد الكتاب "الإسلاميين" في دولة الكويت الشقيقة لا أكاد أقرأ مقالا له إلا وأجد شتيمة جديدة بأسلوب مبتكر، والغريب أن مقالاته تنشر في صحيفة محلية هناك، ويعيد هو نشرها في الإنترنت ولست أدري لماذا؟! تعميما للسب والشتم يعني على أوسع نطاق؟! والمتأمل أسلوب القرآن الكريم في نقاش سيء الأفكار والأشخاص والحديث عنهم ستجده في غاية الأدب والرقي حتى في خطابات التنكيل والتقريع لأعداء الله. ومن الظواهر المزعجة والمنتشرة في الخطاب الإسلامي هذه الأيام تقسيم العالم في كل موضوع إلى "فسطاطين"، على حد تعبير ابن لادن، فالأستاذ/ مفتي ألزم القراء في أن يتخذوا طرفا إما مع حماس أو مع فتح، على اعتبار أن الإيمان مع حماس وفقا لعنوان المقال! مستشهدا بحادثة أبي سفيان مع هرقل يوم سأل الثاني الأول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه!! فهل يسمح الأستاذ/ مفتي في أن يتخذ بعض القراء موقفا ثالثا بمخالفة حماس وفتح في الأحداث الدامية الأخيرة دون أن يسلبهم إيمانهم ويصفهم بالنفاق ويشبههم بالكفار؟! وأنا أعلم من الأستاذ/ مفتي لم يرد هذا، لكن مقاله يوحي به.

أشير إلى مقال سابق لي حول أن ليس كل عالم بالشريعة مخلص النية صادق السريرة يصلح للعمل السياسي وضربت لذلك مثلا الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري رضي الله عنه، فكم من مريد للخير لا يصيبه، وأظن أن حماس أخطأت في المواجهات الدامية الأخيرة من عدة أوجه:

- لا شك ان حماس حديثة عهد بالسياسة والعمل السياسي وإن كانت ذات باع في العمل العسكري، وهذا ما أثبتته المواجهات الدامية، فالسياسة بإعتبارها فن الممكن لها أساليبها والتي قد تأخذ زمنا أوطرقا ملتوية لتحقيق الأهداف حتى وإن كانت سامية ونبيلة! وهذا ما لا تعي حقيقته كثير من الحركات الإسلامية. وفي تجربة حماس السياسية يتضح هذا مثلا في تشكيلة حماس لحكومتها الأولى ومن ثم حكومتها الثانية والتي سميت بحكومة الوحدة الوطنية، ولا شك أن الحكومة الثانية كان فيها من التنازل الذي كان يجب على حماس تقديمه ابتداءا في الحكومة الأولى تجنبا للاحتقان والتأزم الذي لمسناه في الشارع الفلسطيني أو جزء منه على أقل تقدير. والذي أعنيه أن الخطوة التي وافقت عليها حماس ملزمة بتشيكل حكومة الوحدة الوطنية كان يجب عليها سياسيا أن تتخذها اختيارا في حكومتها الأولى التي شكلتها، لكن حداثة تجربتها السياسية لم توفقها في توقع المعارضة والصعوبات الي واجهتها وألزمتها بإتخاذ هذا الإجراء.

- كان يجب على حركة حماس الاستفادة من التجربة الإسلامية السياسية في تركيا؛ فلما حاربت العلمانية وحظرت الأحزاب الإسلامية شكلت هذه الأحزاب الإسلامية أحزابا "مدنية" جديدة، ولما وصلت إلى الحكومة من خلال فوز نجم الدين أربكان إلى سدة الحكم في تركيا عام 1996م من خلال حزب "الرفاه" بعد خمس محاولات حزبية تم حلها وحظرها! لم تطق العلمانية هذا الانتصار وخططت للإطاحة بحكومة أربكان وكان لها ما أرادت عام 1997م، لكن الحركة الإسلامية لم تواجه هذه الخيانة والانقلاب بالدماء والمقاومة بل عادت للعمل السياسي وشكلت حزبا جديدا، لم يستطع أربكان المشاركة فيه لمنعه قضائيا من العمل السياسي، فأسست حزب "الفضيلة" الذي تم حله عام 2000م، فعادت الحركة الإسلامية لتشكيل حزب جديد اسمه "العدالة والتنمية" لتعود من خلاله إلى سدة الحكم عام 2002م، ولا تزال الحركة الإسلامية تواجه الضغوط العلمانية المستبدة بشكل سلمي يفهم السياسة وطرقها. ولا تزال الحركة الإسلامية في تركيا تواجه العلمانية بمزيد من السياسة هذه الأيام من خلال معركة ترشيح رجب أردوغان لرئاسة الحكومة التركية المقبلة، هذا في قراءة سريعة ومختصرة جدا في التجربة السياسية الإسلامية في تركيا؛ فأين هذا التعامل السياسي الإسلامي التركي من قرارات حماس؟!.

- سيقول البعض أن الإسلاميين في تركيا لم يُحاربوا بالرصاص كما فعلت فتح مع حماس، وأقول بل تعرضت الحركة الإسلامية في تركيا للعنف تحت غطاء القانون، فنجم الدرن أربكان صدر بحقه حكم بالسجن!، وحتى لو تنازلنا جدلا بالموافقة على هذا الفارق فاقول أين رد فعل فريق الأغلبية أو ما يسمى بفريق الرابع عشر من آذار في لبنان لما تمت تصفية بعض رموزه في حمام من الدماء والتي لا تزال رموزه الأخرى معرضة للاغتيال، أقول أين حماس من رد الفعل هذا؟! لا شك أن الأغلبية في لبنان قادرة عسكريا على الرد، والحرب الأهلية تشهد على هذا، لكن الرغبة الأكيدة في حفظ الدم اللبناني والمعرفة بالطرق السياسية كانت مانعا للرد العسكري على القتل والتصفية التي تتعرض لها الأغلبية في لبنان.

- ولا شك أن الأدبيات الإسلامية التي تنطلق منها حماس وترفعها شعارا لها تمنع من الإقدام على الفتنة والهرج والمرج، فعبد الله المقتول خير من عبدالله القاتل، والسيف الخشبي خير من السيف الحديدي إن كان طرفي المعركة مسلمون! ولا أظن أن حماس ولا غيرها تكفر مقاتلي فتح أو تهدر دماءهم حتى وإن بغوا عليهم! وهنالك فرق بين ان يدفع المسلم عن نفسه القتل ويقاتل دون حياته وبين الفتنة الطائفية والحزبية والعمل العسكري المنظم وقطع الإمدادات وإقتحام المقار! وأرى أن حماس لو ردت على تعدي "فتح" العسكري بإعتصامات سلمية بيضاء لحققت فوز ونجاح سياسي لن ينازعها أحد عليه ولحصلت على تأييد شعبي ورسمي دولي واسع عوضا عن ما حصدته من خلال ردها الأحمر. و(لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ).

- وقد يقول البعض أن حماس لا تدافع عن مكاسبها السياسية بل تدافع عن اختيار الشعب الفلسطيني الذي انتخبها، وأقول وإن كان هذا الرأي له وجه من الصحة إلا أن وصول أي حركة وحزب إلى الحكم يوجب عليها العمل لمصلحة ناخبيها ومعارضيها على حد سواء ومراعاة ذلك في الأمور الحياتية بشكل عام، بل يجب عليها من خلال نظرتها السياسية أن تراعي ترتيب المصالح وتقديم الأهم على المهم، ولا شك أن تحقيق المصالح الأمنية والغذائية والدوائية لناخبي حماس أولى من الادعاء ،حتى وإن كان صادقا، بالدافع عن الاختيار السياسي للشعب الفلسطيني، خاصة وأن حماس لم تكترث للرغبة الشعبية الفلسطينية في أن تمثلها حماس سياسيا خلال السنوات السابقة للحكم الذاتي في الأرض المحتلة!.

وسلمتم..

(تعرض الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا لمحاولة رابعة لإسقاطه من قمة رأس الدولة لكن السياسة نجحت في الآخر وبقت رئاسة الدولة والحكومة لاختيار الشعب المسلم)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق