22 مايو 2009

المعذرة مشايخنا الكرام، فقد رسبتم في "الباندا"..!!



10 اغسطس 2004

- "المرء عدو ما جهل" .. يا لها من حكمة تكتب بماء الذهب، يحتاج تدبرها وتأملها الكثير والكثير من مشايخنا وكتابنا ومثقفينا. أتابع وغيري عبر بعض وسائل الإعلام الجلبة الإعلامية حول أجهزة الاتصال المتنقلة والمزودة بتقنية التصوير بالكاميرا وما يحدث من سوء استخدامها من قبل بعض المراهقين. واطلعت على فتوى لأحد مشايخنا الكرام في تحريم استخدام هذه الأجهزة لغلبة شرها، عنده، على خيرها! فقلت هي زلة عالم وما من سبيلٍ على المحسنين، لكن ازداد استغرابي من هذه "الفتاوى" لما تكاثرت وخرجت عن عدد من الشيوخ فرأيت لزاماً المشاركة بالرأي الآخر في هذا الموضوع، والله أسأل التوفيق والسداد.

- لست أدري إن علم التيار الصحوي أنهم استطاعوا خلق قضية إعلامية، لعلها للمرة الأولى، وإثارتها عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية! وهذا إن دل فإنه يدل على أن هذا التيار يملك من وسائل التأثير وصناعة الرأي العام، الحد الأدنى منها على الأقل، ما يوجب عليه المشاركة الحقيقية في الإصلاح والكف عن نفخ الفقاعات الدعائية والتي في غالبها من قبيل "نحن هنا"! فلا مقارنة بين حركة إصلاحية وحملة تصحيحية لمراقبة صرف المال العام وبين دعوى حراسة الفضيلة من هجوم الباندا! وقبل فترة من زمن ألقى الدكتور/ عصام البشير (وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة السودان) محاضرة قيمة في مدينة جدة (السعودية) حول فقه الأولويات يخاطب فيها الشباب، فوددت حينها لو كانت محاضرة الدكتور موجهة للشيوخ والدعاة، الذين يوجهون الشباب، ليحققوا قاعدة "تقديم الأهم على المهم" تطبيقاً على أرض الواقع دون الاكتفاء بالتنظير العلمي الذي قد يحسنه كل أحد.

- في واقع الحال فإن هذه الفتاوى بتحريم استخدام أجهزة الجوال المزودة بكاميرا تصوير امتداد فكري لفتاوى تحريم المذياع والتلفاز، فالحجة واحدة وهي غلبة الشر على الخير! ولست أدري من الذي يقرر أن الشر قد غلب الخير أو أن الخير قد غلب الشر؟! يجب على الشيوخ الأفاضل أن ينتهوا عن صبغ أحكامهم الذوقية وأراءهم الشخصية بلون الفتوى الشرعية، احتراماً لمكانة للفتوى وتقديراً لمنزلة الحكم الشرعي والذي أصبح في زماننا، وللأسف، أداة سياسية أو اقتصادية تتحكم فيها الأهواء وتلعب بها المصالح. وما أروع ورع السلف يوم كانوا يجتهدون في الحكم والمسألة وينسب ذلكم لنفسه فتراه يقول: "أرى، أكره، أحب"، وأين هم اليوم من شيوخ هذا الزمان الذي تراه يفتي فيما أحل الله لعباده وتظاهرت جماهير الأمة وعلماؤها على حله فيأتي بكل جرأة ودون تورعٍ، ولو في لفظ الفتوى، فيأثم جماهير المسلمين المستخدمين لهذه الأجهزة، ويحرم مال من تاجر فيها، والأخطر من هذا والأدهى أن تكون هذه الفتاوى مؤيدة لانتهاك حقوق الناس وسلب أموالهم والتعدي على ممتلكاتهم من خلال مصادرة وإتلاف أجهزة الجوال تلكم، دون أدنى حق في التعويض أو المطالبة برفع الضرر المترتب على ذلكم. وعليه فالحكومات الديكتاتورية جميعها لديها كامل الحق في سجن من تشاء ومداهمة من تشاء ومنع من تشاء وتعذيب من تشاء لأنها ستجد شيوخاً يترجح لديهم أن شر من تشاء الحكومة أكثر من خيره!!

- وبحكم البعد المعرفي بين كثير من شيوخنا الأفاضل والتقنية الحديثة أظنهم، وفقنا الله وإياهم لكل خير، لا يدرون أن أجهزة الجوال المزودة بكاميرات رقمية هي مرحلة انتقالية بين الاتصال الهاتفي بالصوت والاتصال الهاتفي بالصوت والصورة معاً! فهم يظنون أن العالم قد توقف عند اختراع أجهزة هاتف "من غير أسلاك" وما فوق ذلك من تطور وتكنولوجيا ستغدو في يوم من الأيام حاجة للبشرية هو ترف زائد يواجه بـ"وشو له" و "ماله سنع"!! بل إن خدمة نقل الصورة عبر الاتصال الهاتفي النقال موجودة كتقنية معدة للعمل، مع وجود بعض الصعوبات وارتفاع في التكاليف، في كثير من دول العالم. ولا أشك أيضاً في عدم معرفة الشيوخ "الباندا" بوجود خاصية الاتصال بأقمار الخرائط الصناعية عبر نظام GPRS والتي تمكن حامل مثل هذه الأجهزة من تحديد مكان تواجده وتحديد المكان المراد الوصول إليه وطريق الوصول. ووجود مفكرات رقمية وحافظات لعدة أنواع من الملفات والكثير من التقنية المصاحبة لمثل هذه الأجهزة، والتي يحرم استخدامها لأنها من فصيلة "الباندا" أبو كميرا!!

- وكم صدمت لوجود حملة منظمة لمقاومة عدوان "الباندا" أو أجهزة الاتصال النقال المزودة بكاميرا رقمية يقوم عليها عدد من الشباب بمباركة شيوخ "الباندا"!! أرأيتم كيف يتم تبديد طاقات الشباب وصرفهم إلى الترهات وإهدار جهودهم فيما ليس لهم من إمكان في الوقف أمامه، فقد أثبتت التقنية أنها ستسحق كل من حاول صدها أو مدافعتها، وما البث المباشر عنا ببعيد!! لن أطالب الجهات الرسمية بالوقوف ضد هذا الاستغلال للشباب، ولعلها أول من يسعد بانشغال الناس عنها وعن مشاكلها، لكني أطالب أهل العلم الحق والمثقفين والمربين بأن يتداركوا ما أمكن تداركه من البقية الباقية من شبابنا وتفعيل قدرات التفكير لديهم وتفتيت ما تبقى من التبعية العمياء "للبشوت" واللحى "المخضبة"!!

للأسف أقولها وكلي أسى: المعذرة مشايخنا الكرام، فقد رسبتم في "الباندا"..!!

ولكم تحياتي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق