26 يناير 2012

موجة لبرلة الإسلام




على هامش اللقاء الثقافي الأول- 4
"يونيو 2011"

موجة لبرلة الإسلام


     في ثلاث مقالات سابقة قيدت ما جال في خاطري أثناء اللقاء الثقافي الأول الذي نظمه مركز الفكر المعاصر برئاسة الدكتور ناصر الحنيني- وفي رواية ضعيفة لأحد المداخلين الدكتور عبدالرحيم السلمي- بمدينة الرياض، ولما وصل بي سير الخاطر إلى ورقة الأستاذ أبي عمر، إبراهيم السكران- وفقه الله- رجحت الاكتفاء بالمقالات الثلاث السابقة لبعض الاعتبارات، أهمها: أن بعض المتابعين لشأن الفكر الإسلامي في السعودية يرون في الأستاذ السكران انتقاله الحاد من اليسار إلى اليمين، وأن هذه النقلة تؤثر فيها العاطفة الفكرية التي تنخز صاحبها ليكفر عن طرحه السابق بطرحه اللاحق، على اعتبار أن الفكر السابق مما تجب "البراءة" منه عند كل المتحولين فكريا، وبغض النظر عن ما في هذا التحليل من الحق والباطل؛ ارتأيت أنه من الأولى التأني في التعاطي النقدي مع اطروحات أخي الأستاذ السكران، الذي أدعوه وأدعو الله لي وله أن يتحرى الحق جهده ولا يأبه بما قيل ويقال وسيقال. ومما شجعني للعودة للكتابة أمران: الأول، دعوة الدكتور أبي أسامة، عبدالعزيز قاسم، وفقه الله، عميد مجموعة القاسم البريدية وملك ملوك أفريقيا، باعتبار تعلقه الدائم بالنجاشي والذي أبرأه من التعلق الديني الصوفي فلم يبقى إلا التعلق السياسي! والأمر الثاني، تعقيب الدكتور عبدالوهاب الصالحي- وفقه الله- على مقال للأستاذ السكران، فقلت لعل مريدي الأستاذ السكران ينشغلون بصب جام غضبتهم عليه وأن أخرج سالما من تعرضي له!.

     يمكن تقسيم ورقة الأستاذ السكران إلى ثلاثة أجزاء، بعض الأخوة الظرفاء الأذكياء يقول أنني أعاني من تثليث فكري! فكل شيء عندي له ثلاثة أبعاد حتى أصحابي على طاولة الاستماع كانوا ثلاثة؛ الجزء الأول كان استعراض تاريخي "لكوكتيل" الفكر الإسلامي (يسارية إسلامية، قومية إسلامية، ديموقراطية إسلامية)، الجزء الثاني تأكيد على وجود تيار ما يسمى "بالليبرالية الإسلامية"، والجزء الثالث استعراض سريع لبعض القضايا التي يُعرف بها تيار الليبرالية الإسلامية! في رأيي أن لو سميت الورقة (حول الليبرالية الإسلامية) لكان أقرب لمادتها؛ حيث أن العنوان يوحي بأن الورقة متعلقة بتحليل الفكر (بداياته، منهجه، أفكاره، أهدافه، آلاته، منطلقاته... الخ)، إلا أن الورقة، على قيمتها، لا تعدو أن تكون تجييش العاطفة الفكرية ضد ما يسمى بتيار الليبرالية الإسلامية من خلال ربطها التاريخي بتيارات فكرية باءت بالفشل (كاليسار الإسلامي والقومية الإسلامية)، وإعجاب الكتاب الغربيين بهذا التيار ودعمه، وانتقاء آراء فكرية مرفوضة لتيار الليبرالية الإسلامية لتكون سمة لذلك التيار.

     أبرز ما يمتاز به الليبراليون الإسلاميون أنهم يوافقون الغرب في اختياراتهم الفكرية، وقد وافق الأستاذ السكران الكتابات الغربية في تسمية هذا التيار بالليبرالية الإسلامية، وقد جعل هذه الموافقة هي أداة هذا التيار في قراءة التراث الإسلامي والانتقاء منه والترجيح بينه، ولم يبين الأستاذ السكران كيف حرر هذه الميزة؟ هل وجد لهم نصا في ذلك؟ أم كان من خلال استقراءه الشخصي وتتبعه لجميع اطروحاتهم ومقارنتها بأفكار الليبرالية الغربية مع عدم وجود أي عامل مشترك آخر؟ مثاله حد الردة الذي طرحه الأستاذ السكران في العلامات الفارقة لهذا التيار؛ فكيف تتم دراسة رأي هذا التيار في حد الردة ورأيه في القصاص من القاتل؟ حيث أن الليبرالية الغربية تقدس الحياة وترفض عقوبة الإعدام تحت أي مسمى، في حين أن الليبراليين الإسلاميين، كما يسميهم الأستاذ السكران، لا يقولون برفض حد القصاص من القاتل! وقد يعترض البعض على هذا المثال بأن موافقة هذا التيار لليبرالية الغربية هو من باب حرية الفكر فأقول قد يكون، إلا أن الليبرالية الغربية تجرم بعض الأفكار، على اعتبار آثارها المحتملة، كمعادة السامية والفاشية النازية؛ فرفض الليبرالية الغربية لحدة الردة الإسلامي هو حرية الفكر إضافة لرفض عقوبة الإعدام لأي فكر معتنق في حال تجريمه! فهل وافقهم الليبراليون الإسلاميون في بعض وكفروا ببعض؟ هذا يعني أن موافقة هذا التيار لليبرالية الغربية ليست سمة مطلقة!

     جزء كبير من هذا التحليل لهذا التيار يقوم على أساس القصد والدخول في النوايا، وهو ما أشار له الدكتور وليد الهويريني- وفقه الله- في مداخلته، والذي أعتقده أن الأستاذ السكران بنى استعراضه لهذا التيار على التجربة الفردية والمعاشرة الشخصية أبان تبنيه لهذا الفكر، وهذا منهج لا يمكن الوثوق بعمليته حتى وإن أصاب في حالات كثيرة، فالتجارب الحياتية يعتريها كثير من الشخصنة تفقدها موضوعيتها، فأنا أستطيع أن أقول بناءا على تجربتي الشخصية مع بعض رموز هذا التيار والزملاء المشتركين بيني وبين الأستاذ السكران أن هدفهم هو مخالفة التيار السلفي "المحافظ" أكثر من موافقة الفكري الغربي! إلا أنني أعلم أن هذا التعميم مخل بالموضوعية ولا يمكن الاعتماد عليه حتى وإن انجر تطبيقه على جميع ما ذكر الأستاذ السكران في ورقته من أمثلة لبعض القضايا التي يعلي بها الليبراليون الإسلاميون عقريتهم أو يعتلونها.

ودمتم سالمين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق