26 يناير 2012

العنصرية الثقافية من خلال الهجوم على المزاين



العنصرية الثقافية من خلال الهجوم على المزاين


     تعبر الثقافة الشعبية عن الحالة الإنسانية متمثلة في شكلها الجماعي وطريقة تعاطيها مع الحياة من جميع النواحي، ويتم التعبير عن هذه الثقافة الشعبية من خلال أشكال تعبيرية وسلوكية (حكاية- حكمة- شعر- رقصات- مناسبات- عادات.. الخ)، والجزيرة العربية منطقة غنية بإرث تاريخي ثري انعكس على الثقافة الشعبية فيها وموروثها. من ذلك الإرث الممتد عبر الإنسانية، كإحدى تماثلات الثقافة، عناية العربي وعلاقته الوطيدة بالإبل، وقد يبدو الحديث عن علاقة الإنسان العربي بالإبل نوع من المبالغة في زمن المادية وضبابية الحضارة وهشاشة الجذور الثقافية؛ مما أجدني فيه مضطرا لأن أستعرض بشكل موجز بعض معززات هذه العلاقة وصورها:

-         فالله سبحانه وتعالى خص الإبل بإبداع خلقة ومنّ على عباده بها وقرنها بعظيم إبداع خلق السماء والجبال والأرض (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ ‏رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ).
-         تعتبر الإبل في الفقه من نفائس الأموال.
-         وتعكس معاجم اللغة العربية طبيعة اهتمام العرب بالإبل من خلال اللغة؛ ففي حين لا تتجاوز عادة العرب في الجمع ثلاث مرات، نراهم أفردوا الإبل بكثرة الجموع (الجمل: تسع مرات- الناقة: إحدى عشرة مرة).
-         وتقول العرب: ما خلق الله خيرا من الإبل؛ إن حملت أثقلت، وإن سارت أبعدت، وإن حلبت أروت، وإن نحرت أشبعت.
-         ونهى قيس بن عاصم بنيه في وصيته عن سب الإبل فقال: لا تسبوا الإبل فإنها رقوء الدم ومهر الكريمة.
-         وروى الأصمعي أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أعجبته ناقة ركبها فأنشد:
كأن راكبها غصن بمروحة ::: إذا تدلت به، أو شاربٌ ثملُ
ثم سكت واستغفر الله. يقول الأصمعي: فلا أدري أقاله أم تمثل به!

     وغيرها من صور العلاقة المتينة للعرب بالإبل والتي ما انقطعت يوما إلى زماننا هذا، بل أن الباحثين في التاريخ يرون علاقة العربي بالإبل امتدادا لعلاقة تاريخية قديمة قدم البشرية. وهذا الذي يجعلنا نفهم الصورة الحاضرة للاهتمام بالإبل في الجزيرة العربية عموما وفي السعودية خصوصا من خلال القنية والتربية والشعر ومؤخرا مهرجانات المزاين، إلا أن المضحك المبكي هو الهجوم الشرس على مهرجانات المزاين والسخرية من هذه الثقافة الشعبية، ومن المؤسف محاولة إلباس هذا الهجوم العبثي على هذا الموروث الشعبي مسوحا ثقافيا؛ فكان التحول من الثقافة الشعبية إلى الثقافة العنصرية!

     لعل الدكتور عبدالله الغذامي، سلمه الله، يسمح لي بإستخدام عباراته لتفكيك هذه الثقافة العنصرية؛ فالنسق المختبئ بين ثنايا محاولة الحياد في نقد المزاين يفضح عنصرية هذا الخطاب الثقافي، وبقراءة سريعة لما كتب من نقد للمزاين تجده منصبا على الصورة الكلية للمزاين من خلال صور جزئية سلبية غير منحصرة في المزاين كفعل جماعي، وبالتالي هو نقد للثقافة الصحراية التي أنتجت هذا الفعل الجماعي باعتباره سمة فارقة لها، بعبارة أخرى: نحن ننتقد أنفسنا وثقافتنا وطبيعة حياتنا! كثير من هذا النقد الثقافي العنصري هو وليد ساذج للنظرة الدونية للثقافة العربية المتمدنة، بصورتها المستنسخة من الثقافة المستعمرة، لكل المخرجات الثقافية القادمة من الصحراء! ولتوضيح هذه العنصرية الثقافية تجاه الثقافة الصحراية أقول: انظر في استعمال الإسراف والمبالغة في أسعار الإبل كحجة ظاهرية في نقد المزاين (الثقافة الصحراوية) لتجدها غائبة في وعي خطاب ثقافي معدوم لنقد الأسعار الخيالية للوح الفنية (الثقافة المتمدنة)! و تعبيرا عن خطاب نقد المزاين تجد مفردات ثقافية تحورت لتحمل دلالات سلبية تكشف عنصرية هذا الخطاب الثقافي وتردداته، فمفردات من مثل (أعراب- بدو) انتقلت من كونها وصوفا محايدة إلى أن أصبحت مترادفات هجومية عنصرية ]على سبيل المثال، نشر موضوع ينتقد مهرجان المزاين في منتدى هوامير البورصة بعنوان: توافد الأعراب على أم رقيبة في مزاين الإبل[!

     بل أن نسق هذه الثقافة العنصرية لم يكن بحاجة دوما للاحتماء خلف نقد أي سلوك سلبي لمهاجمة الثقافة الصحراية (المزاين) بل كشف نفسه، غير مرة، في مهاجمة هذا الموروث الثقافي المتمثل في العناية الفائقة بالإبل ]نشر أحد الفضلاء كاريكتور في تويتر يسخر من مفهوم جَمال الإبل، وعلق قائلا: لم أتصور أننا سنعيش ونرى تجمهرا للسعوديين حول هذه المزيونة، وبهذا اللبس الكاسي العاري، والتي صرنا بسببها مسخرة[!.

     ما أشرت إليه سابقا هو تسليط للضوء على هذه الثقافة العنصرية بصورتها الساذجة والمتسربة بشكل عفوي إلى خطاب نقد المزاين، وفي المقابل هنالك الثقافة العنصرية القاصدة للنيل من الثقافة الصحراوية، كما يمكن تحليل هذه الثقافة العنصرية من خلال تناولها بمعيار الميكرو والماكرو؛ إلا أنني أرى ما طرحت كافيا لدعوة الفضلاء للكتابة حول هذا الموضوع والخروج من الثقافة العنصرية (نقد المزاين) إلى الحفاظ على الثقافة الشعبية وتقدير الموروث الثقافي (المزاين) بمسارين متلازمين: مدح الإيجابي ونقد السلبي.

ودمتم سالمين،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق